Monday, November 25, 2013

محمد عاطف يكتب عن فيلم «فرش وغطا»: ضعُف الصانع والمصنوع



مازال أحمد عبد الله السيد يتنقل من عمل لآخر بين مختلف العناصر الإبداعية للفيلم السينمائي، سواء كمونتير، أو مخرج، أو مؤلف – مجتمعين أو منفردين- وتشهد له أعماله السابقة بالتميز بين أبناء جيله نجوم "السينما المستقلة"، بحسب ما يُفضل البعض تسميتها. 
ودون الخوض في "جدل طرشان" جديد حول تعريف السينما المستقلة، بما ينتهي إليه مآل هذا الجدل العقيم في أغلب الوقت - من طنطنة حول حرية المبدع الذي تمرد، وخاض غمار، وكسر،.. إلخ- يطيب البدء بشكر صانع الفيلم الذي حدد نوعية العمل كفيلم درامي/وثائقي؛ بما يسر تناوله وفقًا لنوعه، وسيوفر كثيرًا – في ظني- من السفسطة حوله، التي طالما نجا بسببها أفلام سبقته خلال العامين الماضيين.
حوار "فرش وغطا" عزيز، حيث تم تطويع الصمت في الفيلم بحرفيه تستطيع بسلاسة إقناع المشاهد بحقيقة أنه ليس هناك ما يمكن قوله، فقد كان التوجس والترقب سيد الموقف خلال الفترة الزمنية التي تناولها العمل. لكن صمت المشهد لا يعفي المخرج من توجيه الممثلين - وخاصة المحترفين منهم- نحو مزيد من التجويد الحركي والإيمائي، فقد سبب ضعف توجيه الممثلين في مشاهد كثيرة اضطراب الصورة، بدرجة أعادت إلى الذهن الأخطاء التقنية التي اعتاد نجوم "السينما المستقلة" الوقوع فيها، فبعد أن قلت شيئًا فشيئًا مع تعدد الأعمال، لم تلبث أن عادت من جديد بعد إشباع عدد من المخرجين الكبار، ومن خلفهم نقاد مخضرمين "الأنا" الذي تضخم لدى كثير من جيل "السينما المستقلة" لأسباب لا يتسع المجال لذكرها الآن.
يمكن تقسيم الفيلم بعد "فرش" هروب البطل من محبسه نتيجة اقتحام السجن، بحسب الأماكن التي لجأ إليها. حيث مثل كل مكان منهم فصل مستقل. سواء بين ما يمكن اعتبارهم أقارب له، ثم بين مجموعة تسكن المقابر تعرف عليهم من خلال "صديق الصدفة" الذي قابله بأحد المساجد التي تم استخدامها كمستشفيات ميدانية حول ميدان التحرير، ثم في حي الزبالين حيث يقطن أقارب الصديق الذي لقى حتفه أثناء الأحداث الدامية لاقتحام السجن.
من التقسيم السابق يظهر أزمات متعددة في تتابع الأحداث، لعل أهمها ركاكة إيقاع الفصل الأول، وخاصة أن أصول "الفرش" -إذا ما استخدمنا دلالة المصطلح الفلكلوري- تقتضي إبراز عرض شخصية بطل/أبطال العمل، التي لم يزعجني إطلاقا عدم وجود أي معرفات سطحية لأغلبهم كاسم، أو تفاصيل اجتماعية، أو ماشابه فربما جاء رسمها من خلال المعاناة أكثر دلالة ورهافة، فلا أكثر جمالًا من تعريف البطل بأنه "إنسان" بما تشمله الكلمة من آفاق عذبة التأويل؛ لكن للأسف الاسراف في التجريد مع شخصية البطل تحول نوعًا ما إلى إسراف في التسطيح، بطريقة حولتهم من "إنسان" إلى "كائن"، بما تشمله الكلمة من تعالي وفوقية، لم تطل البطل وحده، بل امتدت إلى أغلب شخصيات العمل، وإن كان يمكن اعتبارهم جميعًا أبطال وفقا للخط التسجيلي، الذي انتهجه الفيلم في الفصلين الأخيرين، والذي لا يخلو أيضًا من مشكلات في تناول مضامين أزمات الضيوف، أو لنقل شخصيات العمل.
ويمكن إجمال مشكلة تعامل مبدع الفيلم مع من نظر إليهم باعتبارهم "كائنات"، مع مشكلة الخط التسجيلي في العمل عن طريق تناول أزمات اثنين منهم هم "عامل المراجيح" و"الطفل الزبال"، حيث مثلوا نظرة المبدع التي لا تمت إلى مجرد التعاطف معهم بصلة - وإن حاولت عدة أدوات إبداعية داخل العمل إدعاء غير ذلك- فقد تم تطويعهم لإثبات وتسويق قناعات خاصة، يعلم أي صحفي أو مخرج أفلام تسجيلية تعاطى مع تلك المشكلات أنها تمثل قشرة بسيطة داخل مشكلة البطلين "عامل المراجيح" و"الطفل الزبال". 
فمن المعروف أن منع الموالد الذي ضيق زرق "عامل المراجيح" لم يأت تلبية لمطالب السلفيين - التي تتكرر منذ أن وطأت نعال الوهابية مصر- حيث ظهرت الأزمة مع ظهور فيروس انفلونزا الخنازير، واجراءات نظام مبارك التي كانت قائمة دائمًا على التنصل من مسؤوليه العجز عن الوقاية، من خلال استخدام قرارات هيستيرية استنادًا إلى القبضة الأمنية. كما لا تتلخص أزمة "الطفل الزبال" في نظرة المجتمع الدونية، فمجتمعه الأساسي وأقرانه جميعًا وأقربائه يعملون في نفس المهنة المتوارثة، ومتسقين مع ذواتهم. ويشهد كل من تعامل مع مشكلات أحياء الزبالين في منشية ناصر أو عزبة النخل أن أول ما يرد على أسماعهم من كلمات عند التحدث مع الأهالي عن أزماتهم لا تتجاوز كلمتين هما "الماء النظيف" و "الفيروس" في إشارة إلى فيروس سي المنتشر كالوباء بينهم دون أدنى رعاية صحية من الدولة.
يختم العظيم أحمد العجوز دور " فرش وغطا" في المقطع الأخير بجمله الطبيب "قولي انت من فين وأنا أقولك على اللي فيك"، حيث يمكن استخدامها كحكمة أساسية إذا ما أردنا التعامل مع أزمة صناعة السينما الحالية في مصر. فلا أنكر ترقبي الدائم لأنباء انتاج أي عمل جديد لاسماء اعتدنا منها سينما مغايرة عن نغمة الابتزال السائدة. سينما تعبر بحق عن ابداع مولود من رحم ثورة أقل ما فعلته هو بعض التغيير الشكلي على المستوى السياسي؛ فإذا بصدمة تتجدد من حين لآخر أمام سينما تنظر إلى مجتمعها بعين "الخواجة"، الذي يطمئن دائما في حصر مشكلات العالم الثالث داخل نطاق الاغتراب المجتمعي، والمعاناة من تنامي نفوذ الأصوليات الدينية المتطرفة في المجتمع.
إن رفض الإبتذال لا يعني بالضرورة الانسحقاق أمام الابتزاز. وحيثيات الحصول على جائزة من مهرجان هنا أو هناك ليست نصًا مقدسًا يوجب الركوع تحت أقدامه. كما ان شهادات مخرجين ونقاد بالإشادة ليست أوامر أبوية توجب السمع والطاعة لمن يعرف أكثر، فجميعنا تلاميذ أمام الشاشة الكبيرة وسنظل هكذا، ولائنا ليس لأحد إلى إليها، وإلى "انسان" من لحم ودم تتضافر جهودنا جميعًا من أجل تخفيف أزماته التي هي أحد روافد مآسينا، نظرتنا إليه لن تتحول أبدا إلى اعتباره مجرد "كائن" تخدم معاناته طموحنا.
للتواصل مع الكاتب عبر تويتر: 
@Atef_Cinemania

No comments:

Post a Comment

استخدام الدويتش انجل

هل تريد استخدام الدويتش انجل في مشاهدك وافلامك شاهد استخدامها في الافلام من زاوية 5 درجات وحتي 90 درجة